الثلاثاء، 27 مارس 2012



اعتاد الباحثون تسمية القرن الماضي بقرن الصراع على (النفط)، لما كان له دور متميـز في توجيه العلاقات الدولية، مثلما يعد القرن الجديد، قرن الصراع على (المياه)، حيث أخذت مشكلات استثماره، تشغل حيزا كبيرا في الأحداث العالمية المعاصرة، بل وفي رسم المستقبل السياسي لكثير من دول العالم. 
ومن الملاحظ، أن الخريطة المائية تظهر خطوطا متشابكة للتداخل الدولي في أحواض أنهارها، وفي استثمار مواردها...مما يترك علاج هذا الاستثمار، رهينا بالعلاقات القائمة بين الدول ذات العلاقة، التي تقوم في الأساس على مبدأ (القوة) أولا، ومدى الاحترام المتبادل للاتفاقيات القائمة بينها ثانيا.
لقد تصدى الباحثون في الآونة الأخيرة، إلى دراسات في هذا المجال، تعكس مخاوف الدول ذات الأنهار المشتركة من تداعيات الصراع حول مياهها.. وان تلك المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية التي كانت ولا تزال تعقد، لدراسة المشكلات الناجمة عن الصراع الإقليمي حول استثمار المياه المشتركة. وفي تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية "CIA” : إن عشر مناطق مرشحة للحرب بسب المياه، وعلى رأسها دول الشرق الأوسط. ومن المعروف إن هذه الدول كانت، وعلى امتداد القرن الماضي قد استنفذت الكثير من إمكاناتها للوصول إلى أفضل موقع، يحقق لها الأمن المائي، من خلال مجابهة كافة المتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والسياسية في المنطقة.
في ضوء تلك المتغيرات، سعت دول المنطقة إلى وضع خطط وبرامج تهدف إلى تحقيق الأمن المائي لسكانها، من خلال خزن واستثمار ما يمكنها من موارد مياه أنهارها، متجاوزة أحيانا مصالح جيرانها المشاركين لها في تلك الأنهار، مما انعكس سلبا على العلاقات بينها، وعرض السكان فيها إلى مخاطر جدية.

تشير معظم الدراسات المتخصصة في مجال المياه أن نسبة ما تحصل عليه إسرائيل من المياه، ومن خارج حدود الأراضي العربية المحتلة عام 1967 تبلغ 68% من إجمالي استهلاكها للمياه، بينما تحصل الدول العربية من خارج حدودها على 60% من إجمالي المياه المستهلكة فيها، وهذا يعني مدى حساسية وأهمية عنصر المياه لكلا الطرفين، فأي طرف يمكن أن يستعمل عنصر المياه كورقة ضغط ومساومة بالنسبة للطرف الأخر.ومما زاد الأمور سوءاً هو دخول عناصر خارجية في موضوع الصراع على المياه بين إسرائيل والدول العربية، مثل تركيا والتي تريد وبإيعاز من إسرائيل أن تجعل من المياه سلعة تباع وتشترى مثل النفط، والولايات المتحدة الأمريكية والتي تريد أن تجعل من المياه عنصراً هاماً لاستمرار هيمنتها وسيطرتها على منطقة الشرق الأوسط، وضمن مفهومها الخاص بالعولمة الاقتصادية، فكل الأطراف المختلفة تتسابق مع الزمن لتحقيق أهدافها وجعلها أمراً واقعاً بالنسبة للآخرين.

المياه في القانون الدولي:


افتقرت الأنهار المتشاطئة منذ منصف القرن السابق لتشريعات دولية ملزمة تحدد ألية الاستفادة من المياه المشتركة للانهار، وتضمن المؤتمر الحادي والخمسون لرابطة القانون الدولي 1966 تقريراً عرف بمبادئ هلنسكي بشأن استخدامات مياه الأنهار الدولية، احتوى أحكاماً عامة لتنظيم العلاقات القانونية بين دول الحوض الدولي، إلا أن هذه المبادئ لم ترق إلى مستوى المعاهدة الدولية الملزمة والتي يمكن الاحتكام لبنودها في حالة قيام نزاع بين الدول المتشاطئة.
وأقرت محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 1974 مجموعة من المبادئ المتعلقة بحل النزاعات الدولية على المياه وكان أبرزها1)

1- حق الدولة التى تقع في الجزء الأسفل من النهر تسلم إشعار مسبق عن أي نشاط في الدول التى تقع في أعلى النهر والذي يؤثر عليها، ووجوب دخول الأطراف ذات العلاقة في إستشارات ومداولات فيما بينها قبل البدء بأي مشروع في الحوض النهري.


2- منع الأعمال التى يمكن أن تسبب أضرار كبرى لأي طرف من الأطراف، ووجوب التعاون بين الجميع حول المشاكل المعنية.


3- منع أي أعمال تؤدي الى أضرار بيئية في الدول الأخرى.


4- ضرورة تأجيل الأعمال المتعلقة باستغلال المصادر المشتركة في حال توقع أن تكون المفاوضات بين الدول المعنية طويلة.

وقد طورت لجنة القانون الدولي عام 1983 هذه المبادئ، وأقرت أن يعتمد مبدأ توزيع الحصص في المياه من دول الحوض على الإحتياجات الضرورية المتمثلة بجوانبها الإقتصادية والإجتماعية، وترتكز مبادئ القانون الدولي على قاعدتين أساسيتين وهما:
ـ قرارات هيج لعام 1957 وملحقاتها، والتى أقرتها إسرائيل لاحقاً.
ـ معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 والتى تقتضي بحماية المدنيين في حالة الحرب، علما بأن إسرائيل وقعت عليها، ولكنها ترفض الإعتراف بإنطباقها على الأراضي الفلسطينية التي إحتلتها عام 1967، ومع هذا فمبادئ قانون الإحتلال بالقوة تنص على ما يأتي
ـ لا تملك الدولة المحتلة حق السيادة على الأراضي التى إحتلتها، وانما يمكنها ممارسة سلطة مؤقتة عليها نتجت عن عملية الإحتلال غير الشرعي.
ـ إن مفهوم الإحتلال هو وضع مؤقت، ولذا فإن حق الدولة المحتلة في الأراضي التى احتلتها ليس إلا حقا مرحلياً وغير دائم.
ـ عند ممارسة صلاحية الدولة المحتلة يجب أن تراعي المبادئ الآتية:

 تغطية احتياجاتها العسكرية فقط . 


 احترام مصالح السكان الواقعين تحت الإحتلال . 


 يجب على الدولة المحتلة عدم ممارسة صلاحيتها من لتدعيم وتغطية مصالحها.